عملية زرع جراحي رائدة تنقذ حياة الطفل دانيال

Baby Daniel in hospital

طفل رضيع جميل مصاب بحالة نادرة

لربما فكرت ستيلا بيرفو ملياً بهذه الأسئلة، وهي تستحضر في ذاكرتها الفترة التي جاءت فيها بولدها دانيال إلى البروفسور جراهام ديفيس وفريقه، في مستشفى "جريت أورموند ستريت"، وذلك كي تُجرى له عملية جراحية رائدة من نوعها بزرع الغدة الزعترية؛ حيث تم تشخيص حالة دانيال بيرفو - في وقت مبكر من حياته- بمتلازمة "دي جورج الكاملة"، وهي حالة مرضية معقدة، ترافقها العديد من المضاعفات؛ بما في ذلك العوز المناعي، وعيوب القلب، والغدد الزعترية والدرقية، بالإضافة إلى تشوهات الحنك.

يقاتل للبقاء على قيد الحياة

وترافقت حالة دانيال مع أعراض أخرى؛ استنتج من خلالها الأطباء إصابته بمتلازمة "دي جورج الكاملة"، مع غياب تام للغدة الزعترية، بما يجعله – بالدرجة الأولى - ذا مناعة ضعيفة للغاية، وعرضة للعديد من الأمراض المعدية الخطيرة. وخلال مرحلة معينة في الواقع، كان دانيال مريضاً لدرجة أن أعضاءه الداخلية قد بدأت بالانهيار، ولم يكن الأطباء واثقين تماماً من حظوظه في البقاء على قيد الحياة.

وتشرح ستيلا حالة ابنها فتقول: "عادة ما يبلغ متوسط العمر المتوقع للأطفال الذين يعانون من متلازمة ‘دي جورج الكاملة’ أقل من عامين. وعندما تم تشخيص إصابة ابني بالمتلازمة لم أتمالك نفسي عن البكاء. كان الخوف من المجهول شيئاً لا يحتمل. ولم يكن لدى الأطباء ما يقترحونه سوى إجراء عملية زرع لنخاع العظم، من واهب لا تربطه به صلة، وهي عملية لم يسبق إجراؤها لحالة مصابة بنقص المناعة الأولية في رومانيا".

"كانت حظوظه شبه معدومة". بهذه الكلمات وصفت ستيلا فرص بقاء ابنها على قيد الحياة في تلك المرحلة. ثم اقترح طبيب على الأم إجراء زرع للغدة الزعترية، ولكن هذه الزراعة متوفرة فقط في اثنين من المشافي حول العالم؛ "جريت أورموند ستريت" في لندن، و"جامعة ديوك" في كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية. وبدا من الصعب جداً على دانيال الوصول إلى أحد هذه المكانين. ولحسن الحظ، تمكن دانيال من الوصول إلى مستشفى "جريت أورموند ستريت" وهو بعمر 16 شهراً، بعد أن قامت والدته بإجراء بحث واسع النطاق عن زراعة الغدة الزعترية، ومن خلال البحث، وجدت الدكتور لويس ماركت من "جامعة ديوك"، والذي أوصلها بدوره إلى البروفيسور دافيس.

عملية زراعة رائدة في مستشفى جريت اورموند ستريت GOSH

وفي ذلك الوقت، في مستشفى "جريت أورموند ستريت"، كان البروفيسور دافيس يجري بحثاً عن زراعة الغدة الزعترية للأطفال المصابين بمتلازمة "دي جورج"، وتحقّق على الفور من حاجة دانيال الملحّة إلى إجراء عملية الزرع، والتي كانت إجراءً طويلاً يتضمن القيام بزرع شريحات من الغدة الزعترية في المختبر لعدة أسابيع، ومن ثم وضعها داخل عضلات فخذ دانيال.

ويشرح البروفيسور دافيس عمل الغدة الزعترية بقوله: "هي ‘مدرسة’ لنظام المناعة في الجسم، ومن خلالها يتطوّر نظام المناعة، ويتعلّم  كيفية التعرف على الجراثيم ومهاجمتها، وليس خلايا الجسم نفسه. وبعد زراعة الشريحات، تبدأ عملية استعادة نظام المناعة ببطء، وقد يستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن يبدأ النظام بالعمل فعلا".

وبالنسبة لدانيال تحديداً، كانت فترة التعافي بطيئة؛ وذلك نتيجة للمضاعفات الناتجة عن لقاح السل الثلاثي الذي تلقاه حين كان رضيعاً. ومع ذلك، بدأ جهازه المناعي يُبدي علامات على التحسن، ويشعر البروفيسور ديفيس بالتفاؤل إزاء نجاح عملية الزرع على المدى الطويل. كما يبدو مستقبل دانيال مشرقاً مع بلوغه الآن عمر الثلاث سنوات، وتتفاءل عائلته أيضاً باستعادته لصحته الكاملة.

وتتحدث ستيلا بحنان عن طفلها قائلة: "إنه ولد صغير نشيط للغاية، وهو ممتلئ الخدين ومبتهج، ومفعم بالحياة وحب الاستطلاع، كما يحب الاستماع إلى الموسيقى، ويتفاعل مع الطبيعة من حوله، ومع الأرقام، كما يحب المداعبة والعناق".

وأظهرت ستيلا امتنانها للبروفيسور ديفيس، وأثنت على عمله وعلى عمل فريقه بقولها: "بصراحة، يعجز لساني عن وصف اهتمام البروفيسور وإتقانه لعمله، فهو شخص على درجة عالية جداً من المهنية، بالإضافة إلى كونه صاحب قلب حنون ومعطاء، وبالنسبة لنا؛ هو الطبيب الذي أنقذ حياة دانيال، ولا أستطيع إيجاد كلمات تعبر عن امتناننا للأقدار التي جمعتنا به".

جميع الأمور المتعلقة بمستشفى جريت اورموند ستريت GOSH

ويؤكد البروفيسور ديفيس على ندرة وجود أطفال يحتاجون إلى عمليات زرع للغدة الزعترية، ويضيف: "هذه العملية معقدة، وتتطلب مرافق مخبرية على قدر كبير من التخصّص، وقد كنا محظوظين في مستشفى ‘جريت أورموند ستريت’؛ حيث كانت لدينا برامج للعلاج بالجينات والخلايا تستخدم المرافق المطلوبة، والتي كان من الصعب إجراء مثل البحث بدونها، وبالطبع أيضاً، بدون وجود الفريق المساعد في مستشفى ‘جريت أورموند ستريت’".

وبالنسبة للمستقبل، يُخطط البروفيسور ديفيس للاستمرار بإجراء عمليات الزرع، ويأمل في توسيع نطاقها لتشمل الأشخاص الذين لا يعانون من متلازمة "دي جورج" ولكن الغدة الزعترية لديهم لا تعمل لأسباب أخرى. والبروفيسور ديفيس هو اختصاصي استشاري في علم مناعة الأطفال في مستشفى "جريت أورموند ستريت"، وبروفيسور فخري في علم المناعة في معهد صحة الطفل بكلية جامعة لندن.