طفل مقيم بالخليج في عداد أوائل الأطفال في العالم ممن تلقوا علاجاً وراثياً جديداً يُحسّن حياتهم

24/03/2025
يحي عقب إستئنافه الدراسة بعد العلاج
يحي عقب إستئنافه الدراسة بعد العلاج

أصبح أحد الأطفال المقيمين في دولة قطر من بين أوائل الأطفال في العالم ممن تلقوا علاجاً جينياً (وراثياً جديداً يُحسّن مستوى حياتهم في مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال في مدينة لندن بالمملكة المتحدة. 

 

هذا العلاج الوراثي الجديد المبتكر تم تطويره لعلاج الأطفال الذين يعانون من أحد أنواع نقص المناعة النادرة وهو نوع يجعلهم غير قادرين على محاربة الإصابة بالعدوىز وهذا المرض أن تُرك المصابون به من دون علاج، قد لا يعيشون لأكثر من عامين. 

 

وقد أثبت باحثون من مستشفى جريت أورموند ستريت (GOSH) بالمملكة المتحدة، وكلية لندن الجامعية (UCL)، ومستشفى جامعة المسيح للأطفال Infantil Universitario Niño Jesús في مدريد، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) أنهم قد حصلوا على نتائج ناجحة خلال التجارب السريرية لهذا العلاج الجديد الذي نُشر اليوم في الدورية العلمية الطبية نيو إنجلاند الطبية New England Journal of Medicine. 

 

ويعد مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال، التابع للنظام الصحي الوطني بالمملكة المتحدة، مركزاً عالمياً متميزاً في العلاجات الوراثية للأطفال المصابين بأمراض نادرة. يضم المستشفى وحدة خاصة للرعاية الخاصة والدولية تستقبل المرضى الدوليين من حول العالم، وتقدم هذه الوحدة علاجات متخصصة للأطفال يتعذر توفرها في أي مكان آخر في العالم. وتُعرف الوحدة الدولية في مستشفى جريت أورموند ستريت بأنها من المستشفيات القليلة ذات المستوى العالمي التي تقدم الرعاية المحكمة للمرضى الدوليين المصابين بأمراض نادرة أو معقدة أو متعددة. بدأ المستشفى بتقديم العلاجات الوراثية منذ ما يقرب من 25 عامًا، مما رصف الطريق لإنقاذ حياة مئات الأطفال. 

 

وفي هذا الإطار سعى الباحثون القائمون على هذه الدراسة لبحث إذا ما كان هذا العلاج الوراثي مؤثراً في عملية تعافي المصابين بهذا المرض النادر، المعروف باسم العوز المناعي الناتج عن نقص إلتصاق كريات الدم البيضاء (LAD-1)، وهو مرض يعني أن هؤلاء الأطفال المصابون به لا يتمتعون بجهاز مناعي فعال، وهذا بدوره يعني أنهم يعانون باستمرار من أجل مكافحة أنواع العدوى المختلفة ومن أجل مباشرة حياتهم بصورة طبيعية. 

يحدث هذا المرض بسبب طفرات وراثية في الجين المسؤول عن ما يعرف بال CD18. إن المكون المعروف ب CD18 هو عبارة عن بروتين موجود على سطح خلايا الدم البيضاء ويسمح لها بالخروج من مجرى الدم إلى موقع العدوى لمحاربتها. في الأشخاص الأصحاء، بمجرد وصول خلايا الدم البيضاء إلى موقع العدوى، فإنها تستطيع التعامل معها دون الكثير من القلق، ولكن بالنسبة للأطفال المصابين بـ LAD-1، فإن خلايا الدم البيضاء الشائهة لديهم لا تستطيع الوصول إلى المكان المطلوب، مما يجعل هولاء الأطفال عرضة للأصابة بالعدوى المتكررة والمتفاقمة. 

إن العلاج القياسي الحالي هو أن تتم عملية زراعة لنخاع العظم من أجل وضع الخلايا الجذعية من متبرع يحمل الشفرة الوراثية الصحيحة حتى يتمكن جسم المريض من تكوين خلايا الدم البيضاء التي تحتوي على بروتين CD18. ويتطلب هذا الأمر متبرعًا مطابقًا، وحتى لو نجح هذا الإجراء، فإنه ينطوي على بعض الآثار الجانبية الخطيرة والمهددة للحياة، مثل رفض جسم المريض للخلايا المتبرع بها أو الإصابة بمرض عدم توافق الجسم مع الخلايا المتبرع بها والذي يحدث فيه أن تهاجم الخلايا المتبرع بها جسم المتلقي. 

في هذا العلاج الوراثي أو الجيني الجديد، الذي ترعاه شركة Rocket Pharmaceuticals Inc.، يقوم الأطباء بأخذ الخلايا الجذعية للمريض نفسه ويقومون بتعديلها باستخدام علاج وراثي يوجه الخلايا لإنشاء البروتين المفقود الذي يتيح لخلايا الدم البيضاء الخروج من مجرى الدم ومحاربة العدوى عند الإصابة بها. ويتم بعد ذلك إعادة الخلايا "المعدلة" إلى جسم المريض حيث يمكنه بعدها البدء في تطوير نظام مناعي فعال. يستخدم هذا العلاج الوراثي الجديد خلايا المريض نفسه، مما يعني استئصال خطورة رفض جسم المريض للخلايا المعدلة أو حدوث الإصابة بمرض عدم توافق الجسم مع الخلايا المتبرع بها. 

هذه الدراسة امتدت لعامين وتتضمن نتائجها حصيلة مشاركة تسعة من المرضى تتراوح أعمارهم بين خمسة أشهر وتسع سنوات، والذين تلقوا العلاج في ثلاثة مواقع للتجارب السريرية: في مستشفى ماتل للأطفال التابع لكلية لندن الجامعية UCLA Mattel، ومستشفى جامعة المسيح للأطفال Infantil Universitario Niño Jesús في مدريد، ومستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال GOSH. 

 

يحي عقب التجربة السريرية في زيارة لبرج لندن
يحي عقب التجربة السريرية في زيارة لبرج لندن

قصة يحيى

كان يحيى، الذي يبلغ من العمر الآن أكثر من 7 سنوات، من أوائل المرضى الذين تلقوا العلاج لمرض LAD-1 في مستشفى جريت أورموند ستريت. تم تشخيص إصابته بهذا المرض عندما كان عمره عامًا واحدًا، وكانت حياته بعد ذلك صعبة للغاية، حيث كان يقضي معظم أيامه في المستشفى، ويعاني من التهابات متكررة وشديدة  الوقع. 

وقال أحمد، والد يحيى: "كان يحي واقعاً تحت تأثير معاناة بدنية ونفسية كبيرة، إذ كان يعاني من أمراض مختلفة جعلت من الصعب عليه زيارة الأماكن العامة أو حتى زيارة منازل أقاربنا. لم يكن بإمكانه الذهاب إلى المدرسة أو المشاركة في الألعاب الرياضية أو الإنخراط في أنشطة أكاديمية أخرى." 

وأضاف أحمد: "أحد العوامل المساهمة في ذلك هو أنه كان عليه الاعتماد المستمر على المضادات الحيوية، التي يتم إعطاؤها له من خلال قسطرة، مما أدى إلى تقييد قدرته على عيش حياة طبيعية". 

عندما اقترح الأطباء في قطر على أسرة يحي السفر إلى لندن لتلقي العلاج الذي قد يغير حياة ابنهما، قبل والدا يحيى العرض في مستشفى جريت أورموند ستريت ووصلا خلال ذروة جائحة كوفيد-19، مما يعني أنه لم يكن عليهما فقط التعامل مع تعقيدات حالة ابنهما ولكن أيضًا التعامل مع قيود السفر التي فرضها الوباء. 

يحكي والد يحي عن تلك الفترة: "لقد كان الأطباء وأعضاء فرقهم وأعضاء الفرق الآخرين طيبين ومتعاطفين بشكل استثنائي. لقد قاموا بإرشادنا بشكل كامل وقدموا أفضل علاج ورعاية ممكنة لطفلنا." 

لقد غيَّر العلاج حياة يحيى. لم يعد مقيدًا بحالته الصحية ولا بتشخيصه. يخبرنا والده الآن: «يحي يمارس الأنشطة بحماس منقطع النظير، وتقدمه يجعلنا نشعر بأن حياته في ازدهار مضطرد مثل أي طفل آخر». 

يحي الآن مملوء بشغف متجدد للاستمتاع بالحياة، لم يعد يشارك فقط في الأنشطة الخارجية مثل لعب كرة القدم، بل يقول إنه يتطلع إلى مستقبل يمكنه فيه أن يصبح لاعب كرة قدم محترف. 

 

يحي في إحدى الملاعب التي شهدت كأس العالم
يحي بعد التجربة السريرة في إحدى الملاعب التي شهدت كأس العالم في قطر

تجربة سريرية تبعث الأمل بين المرضى

لقد استجاب جميع الأطفال التسعة الذين عولجوا في هذه التجربة بشكل جيد للعلاج، وبعد مرور عام إلى عامين من العلاج، تمكنوا جميعًا من البقاء على قيد الحياة مع تناقص ظهور أعراضهم لدرجة أقل. وقد تعافوا من إصابات الجلد والأسنان والعدوى والأعراض الالتهابية التي أصيبوا بها، وأصبح هولاء الأطفال قادرين على استئناف حياتهم مثل أقرانهم. 

 

بعد العلاج، تم تحليل دم جميع الأطفال المشاركين في التجربة، وتبين أن لديهم بروتين CD18 الذي يحتاجونه لمحاربة العدوى على المدى الطويل، مما يسمح لهم بالتوقف عن تناول الأدوية الأخرى.

التطلع إلى المستقبل

كان حجم الدراسة صغيراً نسبةً لأن هذه الحالة المرضية من الحالات النادرة للغاية، ولكن الباحثين يواصلون متابعة المرضى الذين شاركوا في الدراسة من أجل تبين واستكشاف التأثيرات طويلة المدى للعلاج والتأكد من عدم ظهور أي آثار جانبية ضارة. 

واتفقت البروفيسورة كلير بوث، أستاذة العلاج الوراثي ومناعة الأطفال بكلية لندن الجامعية (UCL) واستشارية مناعة الأطفال في مستشفى جريت أورموند ستريت، مع هذا الرأي، قائلة: 

"نحن سعداء للغاية من أجل يحي وجميع الأطفال المشاركين في هذه التجربة، ولكن أيضًا لأن هذا النجاح له آثار بعيدة المدى، تتجاوز LAD-1. وبما أن هذه العملية أثبتت نجاحها في علاج مثل هذا المرض المعقد، فقد نتمكن من المضي قدماً نحو وضع مخطط لعلاج العديد من الأمراض الأخرى. يتم استكشاف أمكانية استخدام العلاجات الوراثية من قبل فرق مختلفة في مستشفى جريت أورموند ستريت ولدى شركائنا أيضاً لعلاج حالات العمى، واعتلال العضلات، والسرطان وغيرها والاحتمالات التي توفرها هذه العلاجات واسعة المدى حقاً. 

"لقد وضعت العائلات مثل عائلة يحي ثقتها فينا، وفي البحث من أجل الحصول على فرصة التعافي. إنها لرحلة طويلة ويشوبها عدم التأكيد في كثير من الأحيان مع الحاجة لإتخاذ قرارات صعبة، ولكن الطريقة التي تتعامل بها أسر المرضى مع هذه التجارب هي شيء يستحق أن يتم الإحتفال والإشادة به." 

 

وقال الدكتور جوليان إشبيلية، رئيس قسم أمراض الدم والأورام لدى الأطفال ووحدة زراعة الأعضاء والعلاجات المبنية على استخدام الخلايا في مستشفى جامعة المسيح للأطفال: "تُظهِر هذه التجربة مرة أخرى كيف يمكن للعلاج الوراثي أن يلعب دوراً في علاج الأمراض التي قد تكون غير قابلة للشفاء عندما لا يكون المتبرع بالأنسجة دائماً خياراً متوفراً، وتتم عمليات العلاج في هذه الحالة في فترات إقامة أقصر في المستشفى وبإحتمال أقل للإصابة بالآثار الجانبية الضارة."