تقنية جديدة تتيح زراعة القلب لعدد أكبر من الأطفال المحتاجين لها
إعطاء الأطفال الأكبر سنا فرصة للحصول على قلب جديد
أدت تقنية جديدة طوّرها باحثون في مستشفى غريت أورموند ستريت ومعهد علوم القلب والأوعية الدموية التابع لجامعة كلية لندن بتمويل من مؤسسة القلب البريطانية British Heart Foundation إلى مضاعفة عدد الأطفال الذين يمكنهم الخضوع لعملية زراعة القلب، مما يعطيهم أملا جديدا بحياة أطول وصحة أفضل.
حاليا، ينتظر حوالي 50 طفلا إجراء عملية زراعة القلب في المملكة المتحدة لكنه يصعب الحصول على القلوب الصغيرة لأنه يجب أن يأتي القلب المتبرع به من طفل بنفس الحجم تقريبا. تبلغ فترة الانتظار المؤلمة لمعرفة ما إذا كان يتوفر قلب مناسب لزراعة عاجلة أكثر من ضعف المدة عند الأطفال والرضع - حيث أن معدّل فترة انتظارهم تصل إلى 88 يوما مقارنة مع 35 يوما عند البالغين، بينما يبلغ معدّل فترة انتظار الأطفال الذين تُعتبر حالتهم "غير عاجلة" أكثر من سنة.
لقد زاد الأطباء من عدد الأعضاء المتوفرة للأطفال المحتاجين إلى زراعة القلب عبر السنوات الـ 20 الماضية باستخدام قلوب عندها تنافر الفصائل الدموية (أوه بي إيه OBA)، أي أن فصيلة الدم في القلب المتبرع به تختلف عن فصيلة دم الطفل الذي يخضع للزراعة.
لكن، لضمان ألا يُرفَض القلب "غير المتطابق"، يتم إخراج دم الطفل و"غسيل" دورته الدموية بدم يتطابق مع الدم في القلب المتبرع به من حيث الفصيلة. يتطلب ذلك كمية من الدم تفوق كمية الدم الذي يتم استبداله بثلاثة أضعاف، مما لا يسمح بالاستفادة من هذا النوع من زراعة القلب إلا للأطفال الذين يبلغ وزنهم حوالي 15 كيلوغرام، أو الذين لا يتعدى عمرهم 4 سنوات.
الابتكار في مجال تكنولوجيا زراعة القلب
، لقد اكتشف الدكتور ريتشارد إيسيت Richard Issitt وفريقه في مستشفى غريت أورموند ستريت ومعهد علوم القلب والأوعية الدموية طريقة لاستخدام جهاز خاص لتصفية الدم الآن - اسمه أسطوانة الامتزاز المناعي immunoadsorption column - أثناء عملية الزراعة لتقليل كمية الدم المطلوبة والسماح للأطفال الأكبر سنا بالخضوع للزراعة التي هم في أمس الحاجة لها.
يزيل الجهاز الأجسام المضادة غير المتطابقة من الدم التي قد تؤدي إلى رفض الزراعة وتضاف إلى آلة القلب والرئتين المستخدَمة لدعم الطفل أثناء الجراحة. تحافظ هذه الآلة على جريان دم الطفل، ناقلة الأكسجين والعناصر الغذائية الحيوية إلى كافة أنحاء الجسم حتى الانتهاء من زرع القلب الجديد.
نتيجة لتصفية هذه الأجسام المضادة المحددة، ليس من الضروري إخراج دم الطفل بالكامل واستبداله. وبالتالي تنخفض إلى النصف كمية دم المتبرع المطلوبة خلال عملية الزراعة نفسها وفي وحدة العناية المركزة فيما بعد، مما يسمح للأطفال الأكبر حجما وسنا بقبول رزاعة "غير متطابقة" - الأمر الذي يزيد من فرصة مطابقتهم مع قلب مناسب.
عمليات ناجحة
لقد أجرى الفريق الآن عمليات زراعة قلب بفصائل دموية غير متطابقة باستخدام جهاز تصفية الأجسام المضادة الجديد على 10 أطفال، كما قام بمقارنة نتائجهم مع 27 طفلا أجريت عليهم العملية بالتقنية المعتادة لزراعة القلب مع تنافر الفصائل الدموية التي يتم فيها إخراج الدم بالكامل واستبداله. عاش جميع الأطفال الذين خضعوا لعملية زراعة باستخدام الجهاز الجديد. لم تكن هناك حاجة لإعادة الزراعة ولم يكن هناك فرق في طول فترة الإقامة في المستشفى.
كانت لوسي، ذات الـ 8 سنوات، أكبر الأطفال الذين خضعوا للزراعة بهذه التقنية، وعمرها يبلغ ضعف عمر أكبر طفل تلقى العلاج سابقا.
ولدت لوسي مصابة بخلل قلبي خِلْقي، لكن لم يتم تشخيصه حتى بلغت حوالي 18 شهرا من العمر - كانت تعاني من المرض في أوقات كثيرة وعجزت عائلتها عن معرفة ما يصيبها. بدأت تتدهور ببطء بعد تشخيص إصابتها باعتلال عضلة القلب بعدم الانضغاط في البطين الأيسر - حالة جعلت قلبها ضعيفا وعرّضت رئتيها للخطر. عندما كانت لوسي في الرابعة من عمرها وعلى وشك الالتحاق بالمدرسة، أصيبت بنوبة تشنج وأحيلت إلى فريق الزراعة في مستشفى غريت أورموند ستريت. أمضت لوسي فترة طويلة في الانتظار دون معرفة مسيرها، لكنها حصلت على قلب جديد في أبريل 2020 - في خضم جائحة عالمية.
"كان سماع خبر أنها تحتاج إلى الزراعة صدمة كبيرة (لنا) لأنها لم تبد مريضة جدا. لكن عندما بدأت لوسي تحضر المدرسة، ظل من الضروري أن آخذها في عرباية، وأخيرا في كرسي نقال – ببساطة كانت تعاني من تعب شديد بحيث أنها لم تستطع المشي حتى عبر المسافة القصيرة من مصف السيارات. لم تستطع الاشتراك في درس الرياضة في المدرسة، أو اللعب على الترامبولين أو القيام بالأشياء التي كان يفعلها الأطفال الآخرون في عمرها."
-أم لوسي، جيني
"منذ العملية، هي متحمسة جدا لتجريب كل شيء واللحاق بأختها الكبيرة فرِيا Freya - لقد فاتتها الطفولة العادية. قضينا صيفا ممتازا - ذهبت إلى منتزهات للعب على الترامبولين لم تستطع الذهاب إليها سابقا، وكانت تنط كما لم تفعل من قبل في حياتها.
" الأمور البسيطة هي التي تثير عواطفي - قبل أيام قليلة ركضت لوسي أمامي كما يفعل أي طفل، ولم تكن تفعل ذلك فيما مضى. وقبل أيام قليلة قالت " ما عدتُ أشعر بأنني محرومة" وهذا كل ما يرغب الوالد أو الوالدة في سماعه، أليس كذلك؟".
"أفكر في المتبرع وعائلته كثيرا. إنه لَأمر مذهل أن تتخذ عائلة مثل هذا القرار في أشد الأوقات إيلاما. نحن شديدو الامتنان لهذه الهبة كما أننا مصممون على أن تعيش لوسي حياتها بأكمل شكل؛ لقد مُنِحَتْ فرصة ثانية في الحياة وليست هناك كلمات يمكنها التعبير عن مدى روعة ذلك ومدى امتناننا."
"حتى بعد ثلاث سنوات ونصف على قائمة الانتظار للزراعة، لم تتمكن من الحصول على القلب إلا بفضل هذا البحث الجديد. أخشى التفكير في كم كان لَيطول انتظارنا لولاها."
منحت مؤسسة القلب البريطانية الدكتور ريتشارد إيسيت أكثر من 390,000 جنيه استرليني لهذا البحث، الذي نُشِرَ في "مجلة زراعة القلب والرئتين Journal of Heart and Lung Transplantation ". سمحت منحة سابقة من مؤسسة الأطفال الخيرية التابعة لمستشفى غريت أورموند ستريت بقيمة 27,000 جنيه استرليني للفريق بإجراء الفحوص المخبرية الأولية التي أدت إلى دمج التقنية بشكل ناجح في الممارسات السريرية.
"لا يملك بعض الأطفال والرضع ترف قلب يؤدي كامل الوظائف المطلوبة. بمجرد دمج هذا الجهاز الجديد إلى الإجراءات الحالية يمكننا زيادة فرص إعطائهم هبة قلب جديد وتحويل مسار حياتهم.
"يجب ألا يدخل أي طفل سنواته الأولى في الحياة منتظرا بشوق لعملية زراعة القلب. إننا مصصمون على البناء على أساس هذا البحث لإيجاد تقنيات جديدة تسمح لمزيد من الأطفال بالخضوع لزراعة قلبية تنقذ حياتهم."
- الدكتور ريتشارد إيسيت، الباحث الذي موّلته مؤسسة القلب البريطانية، كبير أطباء الأطفال المختصين بالإرواء في مستشفى غريت أورموند ستريت، وقائد الدراسة.
"هذا تقدم كبير في مجال زراعة القلب عند الأطفال، يمد بالأمل أطفالا هم بحاجة ماسة إلى قلوب جديدة ليعيشوا.
"قبل أقل من 60 عاما كان يُنظَر إلى زراعة القلب على أنه حلم مستحيل. منذ ذلك الوقت، قد حولت الأبحاث هذا الحلم إلى واقع لآلاف الأشخاص في كل أنحاء المملكة المتحدة. قصة لوسي أفضل دليل على قوة أبحاثنا على إنقاذ وتحسين الحياة - نحن سعداء للغاية برؤيتها وهي تسير بمرح بقلبها الجديد. نأمل بأن تعطي هذه الأبحاث نفس الفرصة لعدد كبير من الأطفال الآخرين."
البروفيسور سير نيليش سَماني Sir Nilesh Samani ، المدير الطبي لمؤسسة القلب البريطانية، التي مولت البحث.
الخطط المستقبلية
حاليا، يستكشف الفريق طرقا لمنح الأطفال ذوي الأجهزة المناعية مرتفعة النشاط - التي تكاد تجعل الحصول على قلب مناسب شبه مستحيل - فرصة الخضوع لعملية الزراعة التي يحتاجون إليها حاجة ماسة.