فحوص الفرز المسبق للضمور العضلي الشوكي قد تغير حياة المرضى
أظهر فريق من مستشفى غريت أورموند ستريت ومعهد غريت أورموند ستريت لصحة الأطفال (ICH) التابع لكلية لندن الجامعية (UCL) كيف قد يسمح إجراء فحوص "بقع الدم" على حديثي الولادة بالتعرف على الأطفال الذين سيظهر الضمور العضلي الشوكي عندهم لاحقا.
الضمور العضلي الشوكي مرض مقصّر للحياة يمكنه الإماتة، ويؤثر على العصبونات الحركية - الخلايا في الحبل الشوكي - الأمر الذي يضعف العضلات ويسبب مشكلات في الحركة، التنفس والبلع. عندما يظهر في الرضع والأطفال الصغار يمكنه تقصير مدى الحياة المتوقع بشكل كبير. إنه أكثر الحالات الوراثية المتنحية المميتة شيوعا ووُلِد في المملكة المتحدة في 2019 حوالي 70 طفلا مصابا بالضمور العضلي الشوكي من النوع الأول الذي يُعتَبَر أخطر الأنواع.
حتى وقت قريب، اقتصرالعلاج على تقديم الدعم للمريض والعائلة لكن في 2019، بعد اشتراك مستشفى غريت أورموند ستريت في اختبار سريري ناجح جدا أُجري في مراكز متعددة، رُخِّص دواء نوسينرسن المعروف أيضا باسم سبينرازا (Nusinersen/Spinraza) للاستخدام في خدمة الصحة الوطنية للمرة الأولى.
شهد أحدث التطورات توفير علاج جيني يدعى زولغينسما (Zolgensma) في خدمة الصحة الوطنية للأطفال دون عمر سنة واحدة، لكننا نعلم أن تلقي العلاج في أول فرصة هو حاسم الأهمية لوأد هذا المرض في مهده.
علاج المريض بـ زولغينسما قبل ظهور الأعراض
بما أن فعالية العلاج تعتمد بشكل حاسم على التشخيص والتدخل المبكّرين، فقد كان هناك اهتمام واسع عالميا بفحص الأطفال حديثي الولادة لكشف الإصابة بالضمور العضلي الشوكي. قد اعتمدت بعض الدول حول العالم فحص حديثي الولادة لكشف الضمور العضلي الشوكي على الصعيد الوطني وانخرط البعض الآخر في دراسات تجريبية على الصعيد الإقليمي، لكن المملكة المتحدة تخلفت عن هذه الدول.
تُظهِر ورقة البحث الجديدة هذه التي نُشِرَتْ في المجلة الدولية لفحص حديثي الولادة (International Journal of Neonatal Screening) كيف يمكن استخدام فحص "بقع الدم" المجفف نفسه الذي يجرى على حديثي الولادة في المملكة المتحدة لكشف أمراض مثل فقر الدم المنجلي والتليف الكيسي لكشف الضمور العضلي الشوكي.
عندئذ سيتاح التعرف على الأطفال الذين يحملون جين الضمور العضلي الشوكي، مثل لينا (فوق وأسفل اليمين)، قبل ظهور الأعراض مما سيسمح بعرض خيارات علاجية تغير حياتهم.
قصة أميليا ولينا
دوروتا، Dorota والدة أميليا، لاحظت أن ابنتها، التي تبلغ 16 سنة من العمر الآن، لم تكن تمشي بشكل طبيعي عندما كان عمرها 12 شهرا تقريبا:
"لم نعرف أن هناك شيء يلوح في الأفق لأميليا وصُدِمنا بالفعل عندما بدأت تمرض. كانت في أتم الصحة حتى بلغت سنة من العمر ثم فجأة ظهر تمايل في مشيتها. كأم، عرفت يقينا أن هناك مشكلة ما، لكن الأطباء رفضوا الإنصات أول الأمر.
"ازداد ضعفها يوما بعد يوم ثم فجأة خسرت كل شيء تقريبا - لقد قاسينا أصعب الأوقات."
للأسف، خسرت أميليا قدرتها على المشي بشكل دائم وتعاني من مضاعفات أخرى مرتبطة بالمرض. نظرا لوجود المرض في العائلة، عندما حملت دوروتا للمرة الثانية، اقترح فريقها في مستشفى غريت أورموند ستريت إجراء فحوص جينية على الطفل الجديد بعد الولادة بوقت قصير للبحث عن علامات الضمور العضلي الشوكي.
وفعلا، كانت الطفلة الجديدة، لينا، تحمل نفس الشفرة الجينية المسؤولة عن الضمور العضلي الشوكي التي حملتها أختها الكبيرة. نظرا للأهمية الحيوية لمداواة المرض بأبكر ما يمكن، عرض الفريق في مستشفى غريت أورموند ستريت على دوروتا فرصة للاشتراك في تجربة لإعطاء لينا العلاج الجيني الجديد، زولغينسما، في محاولة لمكافحة الضمور العضلي الشوكي قبل ظهور أعراضه.
تقول دوروتا:
"شكّل الحصول على تشخيص لينا أول خطوة في اتحاذ قرار علاجي كبير - حتى قبل ظهور الأعراض - لكن عند أميليا، مررنا بسنوات من الغموض اضطررنا مرارا لاتخاذ قرارات كبيرة خلالها. اختلف الموقف عند كل منهما بشكل كبير.
"كانت أميليا بمثابة المنقذة بالنسبة للينا.
"لم تكن لينا لتحصل على المساعدة التي احتاجت لها دون تشخيص أميليا. تجمعهما رابطة قوية جدا. تتشاجران وتغضبان من بعض كجميع الأخوات، لكن عندما تكونان مفترقتين لا تشعران إلا بالاشتياق لبعض.
لم يتوقع أحدنا أن علاج لينا سيشهد هذا النجاح الكبير. كانت عندنا آمال طبعا، لكن حتى آمالنا لم تقترب مما شاهدناه. لم نستطع توقع أن حقنة واحدة فقط ستحدث هذا الفرق الكبير. لا نعلم إلى متى سيدوم أثرها، نأمل ألا ينتهي، لكننا ننسى أحيانا أن لينا لا تزال مصابة بالضمور العضلي الشوكي تقنيا، حيث يعجز مَنْ يراها عن ملاحظة شيء. "لولا فحوص الفرز المسبق لما تمكننا من معالجة لينا. فكرة أن المزيد من العائلات قد تحصل على هذه الفرصة للعيش متحررين من أعراض الضمور العضل الشوكي تمدنا بأمل حقيقي.
- دوروتا، والدة أميليا ولينا
يقول البروفيسور فرانشيسكو مونتوني (Francesco Muntoni)، طبيب أعصاب متخصص بالأطفال في مستشفى غريت أورموند ستريت ومدير مركز دوبويتز للاضطرابات العصبية العضلية (Dubowitz Neuromuscular Centre)، الذي قاد التجربة مع زملائه: "هناك فروق شاسعة في المحصّلة عند الأطفال الذين يخضعون للعلاج قبل ظهور الأعراض مقارنة مع الأطفال الذين يخضعون للعلاج بعد بداية الأعراض.
"إذا أردنا إعطاء الأطفال المصابين أفضل فرصة ليعيشوا حياة يسودها أكبر قدر ممكن من الاستقلال، على سبيل المثال إعطائهم فرصة جيدة ليتمشوا ويتجنبوا الاعتماد على الأجهزة المساعدة على التنفس، فإن أفضل استراتيجية هي مداواتهم عند الولادة. توجد حاليا برامج حاصلة على الترخيص في ألمانيا، النرويج، هولندا، سلوفينيا، تركيا، بلجيكا، أوكرانيا، النمسا والجمهورية التشيكية، كما تجري برامج تجريبية واسعة النطاق في فرنسا، إيطاليا، إسبانيا وأستراليا. يُفحَص 70% من حديثي الولادة في الولايات المتحدة لتحديد ما إذا كانوا مصابين بالضمور العضلي الشوكي، فالحجة قوية جدا.
"نحن مجموعة متعددة الأطراف نعمل مع جماعات المناصرة والمرضى لضمان تحقيق ذلك للمرضى بأقرب فرصة ممكنة".
تلقّى هذا البحث الدعم من مركز غريت أورموند ستريت للأبحاث الطبية الحيوية التابع للمعهد الوطني للأبحاث الطبية NIHR Great Ormond Street Biomedical Research Centre